الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
{وَيَلْعَبْ} بالاستباق والانتضال ونحوهما مما يتدرب به لقتال العدو، وليس المراد لعب لهو وإلا لم يقرّهم عليه يعقوب عليه السلام وإنما عبروا عن ذلك به لكونه على هيئته تحقيقًا لما رموه من استصحاب يوسف عليه السلام بتصويرهم له بصورة ما يلائم حاله عليه السلام من صغر السن، وقرأ الجمهور {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} بالياء والجزم، والابنان. وأبو عمرو بالنون والجزم، وكسر العين الحرميان، واختلف عن قنبل في إثبات الياء وحذفها، ويروى عن ابن كثير نرتع بالنون {وَيَلْعَبْ} بالياء، وهي قراءة جعفر بن محمد، وقرأ العلاء بن سيابة {يَرْتَعْ} بالياء وكسر العين مجزومًا محذوف اللام {وَيَلْعَبْ} بالياء أيضًا وضم الباء على أنه مستأنف أو خبر مبتدأ محذوف أي وهو يلعب.وقرأ مجاهد. وقتادة. وابن محيصن نرتع بنون مضمونة وعين ساكنة من أرتعنا ونلعب بالنون أيضًا، وكذلك أبو رجاء إلا أنه بالياء التحتية فيهما، والقراءتان على حذف المفعول أي نرتع المواشي أو غيرها، والفعلان في هذه القراآت كلها مبنيان للفاعل.وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} بالياء والبناء للمفعول فيهما، وخرج ذلك على أن نائب الفاعل ضمير غد، والأصل يرتع فيه ويلعب فيه، ثم حذف الجار واتسع فعدى الفعل للضمير فصار يرتعه ويلعبه، ثم بنى للمفعول فاستتر الضمير الذي كان منصوبًا لكونه نائبًا عن الفاعل، ومن كسر العين من الفعل الأول فهو عنده من المراعاة على ما روي عن مجاهد أي يراعى بعضنا بعضًا ويحرسه.وقال ابن زيد: من رعى الإبل أن نتدرب في الرعي وحفظ المال، أو من رعى النبات والكلأ، والمراد نرعى مواشينا إلا أنه أسند ذلك إليهم مجازًا، أو تجوز عن أكلهم بالرعي، وضعف ابن عطية القراءة بإثبات الياء، وقال: إن إثباتها في مثل هذا الموضع لا يجوز إلا في الشعر كقوله: وقيل: إن تقدير حذف الحركة في الياء ونحوها للجازم لغة وليس من الضرورة في شيء، وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل بن حيان أنه كان يقرأ نلهو ونعلب {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} أي من أن يناله مكروه، والجملة في موضع الحال والعامل فيها فعل الأمر أو الجواب وليس ذلك من باب الأعمال كما قال أبو حيان لاْن الحال لا تضمر، وذلك الباب لابد فيه من الاضمار إذا أعمل الأول، وقد أكدوا مقالتهم بأصناف التأكيد من إيراد الجملة اسمية وتحليتها بأن واللام، وإسناد الحفظ إلى كلهم وتقديم {لَهُ} على الخبر احتيالًا في تحصيل مقصدهم.
ولم يقل أحد في مثله إنه مجتاج إلى التأويل فان الحزن والغم كالسرور والفرح يكون بالشيء قبل وقوعه كما صرح به ابن هلال في فروقه، ولا حاجة إلى تأويل. أو تقدير. أو تنزيل للوجود الذهني منزلة الخارجي على القول به، أو الاكتفاء به فإن مثله لا يعرفه أهل العربية. أو اللسان فإن أبيت إلا اللجاج فيه فليكم من التجوز في النسبة إلى ما يستقبل لكونه سببًا للحزن الآن اه.وأنت تعلم أنهم صرحوا بأن فعل الفاعل الاصطلاحي إما قائم به أو واقع منه، وقيام الشيء بما لم يوجد بعد ووقوعه منه غير معقول، وحينئذ فالتأويل بما يصح القيام أو الوقوع في فاقد ذلك بحسب الظاهر واجب كذا قيل فتدبر، وقرأ ابن هرمز.وابن محيصن ليحزني بالادغام، وبذلك قرأ زيد بن علي رضي الله عنهما، وقرأ أيضًا تذهبوا به من أذهب رباعيًا، ويخرج كما قال أبو حيان على زيادة الباء في {بِهِ} كما خرج بعضهم {تَنبُتُ بالدهن} [المؤمنون: 20] في قراءة من ضم التاء وكسر الباء الموحدة على ذلك أي ليحزني أن تذهبوه.{وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب} هو يحوان معروف وخصه بالذكر لأن الأرض على ما قيل: كانت مذئبة، وقيل: لأنه سبع ضعيف حقير فنبه عليه السلام بخوفه عليه السلام عليه منه على خوفه عليه مما هو أعظم منه افتراسًا من باب أولى، ولحقارة الذئب خصه الربيع بن ضبع الفزاري في كونه يخشاه لما بلغ من السن ما بلغ في قوله: وقيل: لأنه عليه السلام رأى في المنام أن ذئبًا قد شد عليه فكان يحذره، ولعل هذا الحذر لأن الأنبياء عليهم السلام لمناسبتهم التامة بعالم الملكوت تكون واقعاتهم بعينها واقعة، وإلا فالذئب في النوم يؤول بالعدو.وادعى بعضهم أنه عليه السلام ورى بالذئب عن واحد منهم فانه عليه السلام أجل قدرًا من أن لا يعلم أن رأياه تلك من أي أقسام الرؤيا هي، فإن منها ما يحتاج للتعبير. ومنها ما لا يحتاج إليه، والكامل يعرف ذلك.وتعقب بأنه يحتمل أن يكون الأمر قد خفي عليه كما قد خفي مثل ذلك على جده إبراهيم عليه السلام وهو بناء على ما ذكره شيخنا ابن العربي قدس سره من أن رؤياه عليه السلام ذبح ولده من الرؤيا المعبرة بذبح كبش لكنه خفي عليه ذلك ولا يخفى ما فيه، والمذكور في بعض الروايات أنه عليه السلام رأى في منامه كأنه على ذروة جبل وكأن يوسف في بطن الوادي فإذا عشرة من الذئاب قد احتوشته تريد أكله فدرأ عند واحد ثم انشقت الأرض فتوارى يوسف فيها ثلاثة أيام، وأنا لم أجد لرواية الرؤيا مطلقًا سندًا يعول عليه ولا حاجة بنا إلى اعتبارها لتكلف الكلام فيها، وبالجملة ما وقع منه عليه السلام من هذا القول كان تلقينا للجواب من غير قصد وهو على أسلوب قوله سبحانه: {مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} [الإنفطار: 6] والبلاء موكل بالمنطق.وأخرج أبو الشيخ. وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلقنوا الناس فيكذبوا فان بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الناس فلما لقنهم أبوهم كذبوا فقالوا: أكله الذئب» والحزن ألم القلب لفوت المحبوب. والخوف انزعاج النفس لنزول المكروه، ولذلك أسند الأول إلى الذهاب به المفوت لاستمرار مصاحبته ومواصلته ليوسع عليه السلام، والثاني إلى ما يتوقع نزوله من أكل الذئب والذئب أصله الهمزة وهي لغة الحجاز، وبها قرأ غير واحد.وقرأ الكسائي. وخلف. وأبو جعفر. ووريش. والأعمش. وغيرهم بابدالها ياءًا لسكونها وانكسار ما قبلها وهو القياس في مثل ذلك، وذكر بعضهم أنه قد همزه على الأصل ابن كثير. ونافع في رواية قالون. وأبو عمرو وقفًا، وابن عامر. وحمزة درجًا وأبدلا وقفًا، ولعل ذلك لأن التقاء الساكنين في الوقف وإن كان جائزًا إلا أنه إذا كان الأول حرف مد يكون أحسن.وقال نصر: سمعت أبا عمر ولا يهمزه، والظاهر أنه أراد مطلقًا فيكون ما تقدم رواية وهذه أخرى، ويجمع على أذؤب. وذئاب. وذؤبان، واستقاقه عند الزمخشري من تذاءبت الريح إذا هبت من كل جهة.وقال الأصمعي: إن اشتقاق تذاءبت من الذب لأن الذئب يفعله في عدوه، قيل: وهو أنسب ولذا عد تذاءبت الريح من المجاز في الأساس لكن قيل عليه: إن أخذ الفعل من الأسماء الجامعدة كابل قليل مخالف للقياس {وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافلون} لاشتغالكم بالرتع واللعب. أو لقلة اهتمامكم بحفظه.
|